نبذة يسيرة عن الحال المؤلم لجميع سجون الداخلية العامة في أنحاء المملكة؛ مقارنة بما يحاول الإعلام المظلم تصويره وتزييفه. نقلنا أكثرها على ألسنة من رووها مستخدمين ذات عباراتهم لتكون أقرب للواقع والحقيقة
بينما تشن السلطات السعودية “#حرب_على_الحرية” وتسميها “حرب على الإرهاب” وبالتزامن مع هذه الحملة فهناك حملة موازية لتحسين صورة السجون، باستكتاب عدد من الصحف والإعلاميين، وفي ظل المنع التام للمؤسسات المجتمع المدني، فإن السلطات تنتقي بعض المقربين منها لزيارة عنابر خاصة في السجون لتكتب ماتضلل به القارئ بعد ذلك. وفي ضوء ذلك استطعنا التواصل مع كتاب وأكاديميين ونشطاء عرفوا السجون من داخلها وجربوا الاعتقال بأنفسهم، وجمعنا تجاربهم وشهاداتهم ولخصناها في هذه الأسطر.
مملكة المعتقلات
يُلاحظ المتابع للشأن العام بالمملكة أنها أضحت مملكةً تحرص على تقييد الحريات جسدياً بعد ثمانية عقود من تقييدها فكرياً. وأضحى اعتقال أصحاب الرأي من مختلف المشارب ومن كل ألوان الطيف الديني والسياسي والفكري من إصلاحيين وكتاب وعلماء دين ودعاة إصلاح وناشطين حقوقيين وسياسيين، وإيداعهم السجون والمعتقلات، بتهم واهية، واستصدار أحكامٍ قاسية لامبرر لها، أضحى معلماً بارزاً لسياسة المملكة مع كل من تراه فيه عاملاً مؤثراً ومتغيراً إيجابياً نحو المزيد من الحريات والمشاركات السياسية وكل ذلك بذريعة مجربة تستجلب سكوت وإذعان العالم الغربي وهي ذريعة “محاربة الإرهاب” أما داخلياً، فبالإضافة إلى ذريعة محاربة الإرهاب المقبولة غربياً، تضيف إلى القاموس القانوني تهماً أخرى أكثر مرونة تمكن الحكومة من صياغة ما تراه من أحكام متذرعة بما تسميه التقيد بأحكام الشريعة.
ومنها تهم مثل: الحفاظ على “اللحمة الوطنية” وإيقاف وتحجيم ” دعاة الفتنة” ومنع “إثارة البلبلة” وغير ذلك من العبارات المطاطية الهلامية التي لا وجود لها في “القاموس الإسلامي ولا في القاموس القانوني والحقوقي “. ونظراً لتزايد وتيرة الانتقادات الشعبية لهذه الانتهاكات الصارخة والمتكررة التي طالت حتى النساء والأطفال في سابقة غير معهودة؛ عمدت السلطات لتحسين صورتها لدى المجتمع فأوحت إلى أبواقها المحلية والدولية بتلميع صورة السجون وإظهارها وكأنها فنادق خمس نجوم (وهذا التشبيه، بالمناسبة، كان عنوان لمقالة مثيرة للجدل كتبها الكاتب الصحفي عبدالعزيز قاسم في إطار تلميع صورة الدولة وقبضتها الأمنية) وبأن هذه السجون المحلية تضاهي سجون الدول المتحضرة التي تعمل على إعادة التأهيل إجتماعياً ومهنياً بدلاً من العقوبة البحتة أو الانتقام. وبالفعل بدأت الأقلام المأجورة في بث معلومات زائفة عن واقع سجون المباحث والسجون العامة محليًا وعالميًا.
ولدى التأمل والتفحص ورصد أقوال أهل الخبرة وأهل التجربة، تظهر صورة مركبة في غاية التعقيد والظلمة والدهاء في حجبها عن أنظار العالم.
وهذه الحقائق سطرها سجناء ثقات مروا بتجارب مظلمة في السجون العامة بعدة مدن بالمملكة فاجتمعت الحقائق التالية مدعومة بتحليل منطقي لأنواع السجون وتقسيماتها وأسباب تخصيصها لنوعية معينة من النزلاء ومثال على ذلك، بيان سبب حبس النشطاء السياسيين بالسجون العامة وعدم حبسهم بسجون المباحث كما جرت العادة سابقاً.
تصنيف السجون في مملكة المعتقلات..
أولاً: السجون الخاصة التابعة لإدارة المباحث العامة.
وتختص هذه السجون باعتقال المتهمين بقضايا ما يسمى ب”الإرهاب” والقضايا التي تمس أمن الأسرة الحاكمة وأمن النظام ورموزه وقضايا الأحزاب والجماعات والتنظيمات والخلايا وغير ذلك من التصنيفات التي تبثها أبواق المباحث فتصنف بها كل رأي حر سواء أنطبق عليه الوصف أو لم ينطبق.
فجميع المتهمين بهذه القضايا يتم إيقافهم بهذه السجون التي تشتهر بانتزاع الاعترافات وتفصيل التهم والتدمير النفسي وممارسة كل أنواع الضغوط المحرمة دولياً للإيذاء الجسدي والنفسي. ومواقع التواصل المرئي والمنتديات والمدونات مليئة بسرد قصص وتجارب بعض ضحايا هذه السجون. والعجيب أنَّ سجون المباحث، بإعتبارها منفصلة مالياً وإدارياً عن السجون العامة، تتميز بتوفير إعاشة (مصطلح يطلق على الوجبات الثلاث) ذات جودة عالية وتنوع غذائي مقبول أجمع عليه الثقات ممن ابتلوا بهذه السجون. وفي الغالب العناية الطبية لديهم أحسن حالاً من السجون العامة خوفاً من تورط الدولة في حال تدهور صحة أحدهم أو وفاته في سجونها بإعتباره شخصية عامة أو شخصية لها من يطالب بالثأر لها، وتتم هذه العناية أحياناً بالمستشفيات الخاصة للشخصيات الأهم من بين المسجونين.
ثانياً: السجون العامة، والتابعة لإدارة السجون العامة بوزارة الداخلية.
وتنقسم هذه السجون لقسمين:
أ/ السجون العامة؛ ومخصصة للسجناء الذين يقضون محكومية الحق العام في القضايا المدنية أو السجناء المتهمين بكافة القضايا الجنائية والمدنية؛ قبل محاكمتهم. حيث يقضون تجربة مزرية قبل وأثناء محاكمتهم؛ فإذا صدرت بحقهم الأحكام تم نقلهم للنوع الثاني من السجون العامة وهو:
ب/ الإصلاحيات؛ وهي سجون كل من صدر بحقه حكم قضائي. ويتم تصنيف السجناء حسب قضاياهم في عنابر. وتتنوع جرائم هؤلاء السجناء لتشمل ؛ المخدرات تعاطياً وترويجاً؛ القتل والسرقة والسطو المسلح والاغتصاب والتزوير والاختلاس والنصب والاحتيال وشرب الخمر وتعاطي المسكرات وعقوق الوالدين والزنا واللواط وكل أنواع الجرائم البشعة.
أوضاع سجون السعودية
١. مباني غير صحية وغير آدمية تفتقر للتهوية والشمس والخدمات الأساسية من دورات مياه صحية ومغاسل آدمية ومراتب للنوم وأغطية مناسبة ومخدات. ومعدل تصميم الحمامات هو ١٥ إلى ٢٠ سجين لكل حمام علماً بأن جميع الحمامات بلا سيفون!! ناهيك عن التكدس والذي يصل أحياناً إلى نوم السجناء في دورات المياه.
والحجز الإنفرادي في السجون العامة عبارة عن دورة مياه طاغحة المجاري بلا تكييف أو تهوية يتم رمي السجين فيها بلا آدمية.
٢. سوء التغذية من خلال تقديم طعام رديء وسيء للغاية نوعاً وكماً وكيفاً. والشركة المنفذة من باطن باطن الباطن وقف عليها المشروع بنحو ثمانية ريالات للسجين الواحد لثلاث وجبات يومياً حسب ما قال مسؤل الإعاشة لأحد النشطاء السجناء. ويشاع أنها تابعة لإحدى شقيقات محمد بن نايف. والسعر الأصلي الذي تدفعه المالية يزيد على خمسين ريالً للسجين الواحد لثلاث وجبات.
٣. سوء الرعاية الطبية والإهمال الصحي وانتشار أمراض الجرب والدرن والأمراض المعدية وذلك نتيجةً للعناية الطبية المتدنية المستوى والتي يتم تقديمها من خلال مستوصف فقير في كل سجن عبارة عن غرفتين وصيدلية أشبه ما تكون بمستودع أدوية مليء بالكراتين الملقاة على الأرض بشكل بدائي. والأطباء بلا خبرة أو كفاءة. ويعتمدون على الفراسة في تشخيص المرض ووصف الدواء. ويقوم الطبيب بقياس الضغط بناء على طلب المريض وكذا قياس الحرارة. ولا توجد بالمستوصفات عادة إمكانية قياس مستوى السكر في الدم ولو من خلال الجهاز المنزلي الصغير الذي يقتنيه كل مرضى السكر. وتوجد عيادة أسنان في بعض سجون المدن الكبرى تعمل يوماً واحداً فقط من كل أسبوع من ٩ صباحاً ولأربع ساعات وفي الغالب لا يحضر الطبيب لارتباطات أخرى. وفي أسوأ الحالات المرضية يتم تحويل السجين المريض إلى المشفى الحكومي المحلي وفي العادة يكون أحد أسوأ المرافق الصحية في المملكة. ويوجد بالسجن ما يسمى بالعزل الصحي وهي زنازين يجمعون بها جميع السجناء المصابين بأمراض معدية كالجرب والدرن والأيدز ووضعهم الإنساني في الحضيض ولا يمكن للكلمات أن تصف الامتهان الذي يعيشونه وكأنهم كلاب معدية تم رميهم بغرفة مغلقة والله المستعان. وبالجملة معظم السجون والإصلاحيات ليس بها سيارات إسعاف البتة!! بل مجرد باص تويوتا بلا كراسي يتم رمي المريض فيه ملفوفاً ببطانية!! إي ورب الكعبة.
٤. الإهمال الإداري والذي يعتبر كارثة في إدارة آلاف السجناء الأمر الذي يعكس قيمة الإنسان السجين عند الدولة. مواطناً كان أم أجنبياً. وهذه بعض الأمثلة لهذا الإهمال الإداري الذي يعتبر سمة للسجون العامة:
١.٤ “التطويف” مصطلح يطلقه السجناء على من انتهت محكوميته وطوّف المدة وزاد عليها أشهراً أو أعواماً؟ والله العظيم عشت مع أشخاص مطوفين عاماً فأكثر ولم يتم إطلاقهم وذلك بسبب ضياع الملف؟ عدم وصول معاملة الإطلاق من الجهة ذات العلاقة؟ إهمال الموظف المختص؟ عدم وجود محامي أو أقارب للسجين يتابعون إطلاقه؟ إلى غير ذلك من الأعذار التي تدل على فداحة الإهمال الإداري الذي يؤدي لضياع أعمار البشر بكل استهتار.
٢.٤ عدم إيصال السجناء للمحكمة لحضور الجلسات وللمستشفيات لحضور مواعيد الأطباء. وذلك بحجة عدم وجود سيارات لنقل السجناء؟ فإصلاحية بها آلاف السجناء بها فقط ثلاث باصات صغيرة هياسي سعة ستة سجناء فقط؟ وباص واحد سعة ١٢ سجيناً فقط. وهذه السيارات لا تكفي لتلبية احتياجات النزلاء وأحياناً تتوفر السيارة ولا يتوفر العسكري الخفير المكلف بحراسة السجين عند خروجه.
وفي النهاية يُحرم السجين من حضور جلسات مصيرية وقد يتم الحكم عليه غيابياً وهو في سجون الدولة!!. وحدث ذلك.
٣.٤ والأمثلة كثيرة جداً منها ؛ عدم توفير أماكن مناسبة لعاداتنا وتقاليدنا لزيارة العائلات والأُسر الكريمة مما يؤدي لحرمان السجين من رؤية أهله لسنوات طويلة. ومنها التفريق في التعامل بين السجناء فمن له معرفة وواسطة يحصل على بعض المتطلبات الكمالية التي يُحرمُ منها السجناء؛ ومنها عدم وجود نظام حاسب آلي لمعاملات وقضايا السجناء فكل التعاملات ورقية؟.
٥. الأخلاق السيئة لغالبية الضباط والأفراد وتجردهم من المشاعر والأحاسيس واقتناعهم أنهم يتعاملون مع حثالة المجتمع من مجرمين وأرباب سوابق؛ وبالتالي لا يستحق هذا المجرم الذي حصل على حكم شرعي!! لا يستحق الرحمة وليس له أي حق أو واجب.
٦. انتشار المخدرات والحشيش والحبوب المخدرة والمسكرات بوفرة وبلا انقطاع بشكل ممنهج يشرف عليه الضباط الفاسدون ويتربحون منه.
ومزايا السجون العامة السلبية كثيرة جداً اقتصرت على هذه الستة وما خفي كان أعظم؛ والله المستعان.
والسؤال الذي يفرض نفسه وبإلحاح ويستحق من الجميع تأمله والوقوف على أبعاده هو ؛
مالسر في حبس عدد من سجناء الرأي ودعاة الإصلاح والنشطاء في السجون العامة وعدم ايقافهم بسجون المباحث العامة؟
والجواب بعد التأمل والمعايشة الفعلية هو:
١. تخفيف الضغط على سجون المباحث التي امتلأت بشباب الجهاد وما تسميه السلطة بالخلايا الكامنة .
٢.تخفيف الضغط على إدارة المباحث فرعاية سجناء بمستوى فكري وثقافي عالي ولهم سمعتهم ومكانتهم في المجتمع يتطلب جهداً لإدارتهم وفريقاً من الضباط والأفراد.
٣. عدم وجود حاجة لانتزاع اعترافات من السجناء السياسيين فكل ما اتهموا به وسُجنوا من أجله موثق غالبًا بالصوت والصورة أو بتدوينات واضحة من حساباتهم الشخصية. فكل ما يتطلبه الأمر هو إحالتهم فوراً للمحكمة الجزائية المتخصصة والتي تعتمد لائحة المدعي العام المبنية على فهمه المضطرب لكلام الأحرار المتهمين وإلزامهم به خلال جلسات التحقيق الهزلية. فعملياً لا حاجة لاحتجازهم في سجون المباحث.
٤. حماية المباحث العامة ومنسوبيها من النقد والفضائح التي يتوقعون صدورها من السجناء السياسيين عند خروجهم يوماً ما. فتجاربهم مع كثير ممن أطلقوا أنهم يتحدثون في وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي عن تجاربهم في السجون وهذه التجارب كلها سلبية وتعتبر إساءة للمباحث وتعمق بغضهم وكرههم في عقول المجتمع، فوجب تخفيف الضغوط على رجال المباحث؛ ولو على حساب ضباط الأمن العام الذين لا قيمة لهم عند الداخلية مقارنة برجال المباحث. لذا كانت الداخلية تُصدِّر رجال الشرطة للقبض على المطلوبين وتُبعد رجال المباحث عن الواجهة.
٥. الضغط النفسي على السجناء السياسيين وإهانتهم وكسر كبريائهم بوضعهم مع المجرمين وأرباب السوابق. فكاتب هذه الأسطر نام على الأرض محاطاً بالقتلة واللصوص والمغتصبين ومروجي المخدرات وسمع قاموساً متكاملاً من السباب والشتائم لم يسمعه في حياته قط. فعملياً الحكومة تقول هذا مقامكم عندنا أيها الأحرار!!.
٦. تعذيب السجناء الأحرار نفسياً من خلال إلزامهم بمعايشة ورؤية المخدرات والحشيش والمنكرات الأخلاقية والخمور أمام أعينهم إضافةً إلى معاناتهم من فوضى وسلبيات السجون العامة التي تم ذكرها والتي تخلو منها سجون المباحث العامة إجمالاً.
٧. الإيحاء للمجتمع أن سجناء الرأي غير مهمين ولا تلقي لهم الدولة بالاً لذا ألقتهم في السجون العامة.
٨. سهولة تلفيق قضاياجنائية لسجناء الرأي – إن لزم الأمر- من خلال تواجدهم في بيئة إجرامية مليئة بالمخدرات والفواحش والمنكرات.
هذه أبرز الأسباب التي لمسها من شارك الكتابة، من خلال تواجدهم شخصياً في عدد من الإصلاحيات ومن خلال تجارب الآخرين ممن التقوا بهم والذين اتفقوا معهم بالإجماع أنهم لم يشاهدوا ولم يسمعوا قط خلال تجربتهم عن برنامج إصلاحي واحد في هذه الإصلاحيات؛ بل كل من يدخل هذا المكان يغادره بحال أسوأ مما دخل عليه إلا من رحم الله ولطف به ورعاه.
وبعد؛ فهذه نبذة يسيرة عن الحال المؤلم لجميع سجون الداخلية العامة في أنحاء المملكة؛ مقارنة بما يحاول الإعلام المظلم تصويره وتزييفه. نقلنا أكثرها على ألسنة من رووها مستخدمين ذات عباراتهم لتكون أقرب للواقع والحقيقة.