الحق في الحياة هو رأس حقوق الإنسان وأهمها، وإذا كان الناس باختلاف أعراقهم وألوانهم وأجناسهم وأديانهم يرغبون في الحصول على حقوقهم ويطمحون للحفاظ على حياتهم و يؤرقهم أمر أمنهم، ويحلمون بتعزيز كرامتهم، فإنه لا بد من إقرار حقوق مشتركة للجميع لا تعرف اللون والعرق والجنس والدين ولا أية اختلافات أخرى، وهذه هي حقوق الإنسان، لتكفل لكل إنسان حياة كريمة بحقوقه مكتملة يتمتع بها دون أن ينتقص من حقوق الآخرين، وأعظم هذه الحقوق عندما يحضر الإيمان بحقوق الإنسان وأولها هو حق الحياة، وعندما يغيب الإيمان بحقوق الإنسان فإن أكثرها عرضة للهدر هو حق الحياة، والقتل هو الانتهاك الذي لا نستطيع التراجع عنه ولا تصحيحه، وإذا شاعت ثقافة إقصاء المخالف فإنها لا تنتهي تبعاتها إلا بالتخلص من ذلك المخالف.
وعندما نتحدث عن الحق في الحياة، فإن هدره غالبًا يكون بمستويات ثلاثة، القتل لأسباب فردية، الحروب والصراعات، ثم القتل المقرر من السلطات (الإعدام). وحيث أن دور منظمات حقوق الإنسان ونشطاء حقوق الإنسان هو التصدي لانتهاك السلطات تجاه الرعايا، فإن الإعدام يأتي على قائمة الاهتمامات.
وقبل الانتقال لموضوع الإعدام، فإنه لا يمكننا تجاوز قاتلي الناس بالجملة، وخاصة من يقوم بتطهير عرقي لأسباب دينية، يحلم فيها بتهجير سكان الأرض ولا يتورع في القتل والإجرام لبناء دولته الدينية، فأفقد الأبرياء حياتهم لا لشيء سوى أحلام دينية متوهمة في عقل ذلك القاتل المحتل المتوحش.
أما الإعدام، فلو راجعنا المعدلات العالمية للإعدام للسنوات الماضية لوجدنا أننا في الشرق الأوسط من الأعلى في تنفيذ الإعدام، وباستثناء الصين والولايات المتحدة الأمريكية فإن إيران والسعودية والعراق وباكستان من أعلى دول العالم في تنفيذ الإعدام، وجميعها تتعذر بالشريعة الإسلامية في تنفيذ تلك الإعدامات.
ولأن دور منظمات حقوق الإنسان ونشطاء حقوق الإنسان هو الانحياز لذلك الإنسان ودعم حقوقه، فإن الواجب هنا عدم استفزازه في دينه ومقدساته، واحترام أديان الناس هو جزء أصيل من احترام الانسان، فليس من المصلحة ولا من الحكمة ولا من قيم حقوق الإنسان التصادم مع ثقافات الناس، ولهذا فإنه من المهم لمن يدافع عن حقوق الإنسان أن يحسن الاتزان ليدافع عن مبادئه وقيمه دون أن يخرج عنه فيسيء للآخرين، ومن هنا، فإن السؤال عن الإعدام من وجهة النظر الدينية ووفق الرأي الإسلامي من الأهمية بمكان، وذلك كوننا نتحدث عن منطقة يرتفع فيها الإعدام لأرقام رهيبة، وتتعذر السلطات بالإسلام، ويتحرج المجتمع الدولي أحيانًا من النقد حتى لا يعتبر النقد نقدًا للأديان، وفوق هذا، فإن المجتمعات الإسلامية تسمح للسلطات بتنفيذ هذه الأحكام وتتقبلها نسبة كبيرة من المجتمعات باعتبارها جزء من الدين.
وإذا ما نظرنا إلى الحالات التي تطبق فيها عقوبة الإعدام في الدول الإسلامية التي تتصدر القائمة العالمية، باستثناء أمريكا والصين، فإن الحكم يكون صادرًا إما قصاصًا أو حدًا أو تعزيرًا.
أما التعزير فيخطيء كثير من الناس في فهم معنى التعزير، حيث يفهمه البعض بأنه الإجراء الذي ينفذ به القتل أو الإجراء الذي يتبع القتل، بينما هو يعني سبب حكم القتل ولا علاقة له بطريقة التنفيذ، فالتعزير يعني اجتهاد القاضي في تنزيل الحكم إذا لم يكن لديه نص شرعي، وقد لا يكون التعزير بالقتل، بل قد يكون بالجلد أو السجن، لذا، فإن حكم القتل تعزيرًا هو حكم صادر باجتهاد القاضي لا نصوص شرعية تدعمه، وهذه نسبة كبيرة جدًا من الإعدامات التي تجري في الدول الإسلامية المعاصرة.
أما الحد، القتل حدًا، فهو نادر الحدوث وقليل جدًا، ويحصره البعض في الحرابة، أي قطع الطريق الذي يحوي السطو على الأبرياء في طرق السفر والسرقة والقتل، فالجمع بين هذه الجرائم معًا عرفه البعض بأنه هو الحرابة وعقوبته القتل حدًا وذلك لخطره على المجتمع.
أما القصاص، فهو أن يقتص من القاتل، النفس بالنفس، ويسقط حق القتل قصاصا إذا تنازل أهل الدم، وهذا ما قال عنه سبحانه “ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب”، وهنا يتضح أن حكم القصاص نفسه جاء للحفاظ على الحق في الحياة وذلك وفق الآية الكريمة، و لأنه كان منتشرًا الانتقام وكان القتل ينتج قتلا وثأرًا لا ينتهي ويبقى لسنوات طويلة ويزهق أنفسًا كثيرة فقد جاء القصاص من القاتل ليجعل حدًا لهذا الثأر وحدًا لأن يأخذ كل شخص حقه بيده خارج سلطة القانون.
والسؤال اليوم، يوجه للشعوب المسلمة التي تؤيد السلطات في تنفيذ عقوبات الإعدام، هل هذه السلطات تنفذ هذه العقوبات من أجل التمسك بالإسلام والحفاظ على المجتمع المسلم؟ وهل من الوارد أن إيران أو السعودية أو باكستان أو العراق قد تستغل هذا التصريح من بعض شعوبها لتنفيذ إعدامات سياسية؟ وهل هي مستأمنة على الرقاب والأرواح؟ ثم، من هو هذا الإنسان (القاضي) المخول والمصرح له بحرمان إنسان آخر من حقه في الحياة حتى يحكم عليه بالموت باجتهاد من القاضي (تعزيرًا).
ثم هل الإسلام يسمح بقتل الضعفاء و المساكين والبسطاء وفق محاكمات هزلية تنتج من محاكم مسيسة غالبًا ومحاكمات غير نزيهة ولا شفافة وقد يحرم البعض المحامي والمترجم (وهذا حدث في السعودية) وقد تكون محاكمة سرية ثم تكون النتيجة القتل.
إن من أهم ما يجب أن نتمسك به هو العدالة، وإن تطبيق حكم في غاية العدالة على جانٍ محدد وإفلات جانٍ آخر منه لهو أبعد مايكون عن روح العدالة، هذا إذا كان الحكم في حد ذاته قد اكتمل لكل شروط العدالة، فما بالك وهي لم تكتمل أصلًا.
وإن كانت بعض الأطراف تعمل على الحط من الأديان لأسباب أيديولوجية، فإن مايجب أن تعرفه الشعوب أن النظرة الحقوقية يجب أن تكون منحازة للإنسان محترمة لحقوقه، لا تستهدف دينًا ولا ثقافة، ووضوح ذلك أدعى للشعوب أن تتقبل هذا الرأي، وأن تقف ضد الانتهاك ومن يمارس الانتهاك بوعي وقناعة، كي لا تستمر في قبولها لانتهاكات السلطات وحرمان الناس من حقوقهم ومن حرياتهم ومن حتى حياتهم، فرفضنا لتنفيذ عقوبة الإعدام من قبل الدول القائمة في عالمنا اليوم ليس رفضًا ولا تجاوزًا ولا تعديًا على الدين الإسلامي، فمن جهة فبالإمكان الحد من الجريمة ومن القتل ومن قطع الطريق دون أن نعطي الحق في العبث في أرواح الناس وإزهاق أنفسهم لقضاء غير مستقل وسلطات غير نزيهة وغير مؤتمنة، ولأنه ليس من العدل استهداف الضعفاء لتنفيذ هذه الأحكام دون النافذين الأقوياء، ولأنه من الإجرام بمكان أن نسمح لهذه السلطات أن تقتل الناس باسم الله وفي ظل إصمات للعالم ورضى وتقبل من المجتمعات، حماية الأنفس والحفاظ على الحق في الحياة واجبنا، ولن نصدق من يستخدم الدين ليحقق مآربه، فالتمسك بالدين هو التمسك بالعدل، ومن لم نستأمنه على إدارة البلاد وثرواتها فمن باب أولى ألا نستأمنه على أرواح الناس وحياتهم.
يحيى عسيري